هيهات لما فات خلف

 

تسير الاحداث بشكل عام في مسار اضيق مما كان في سابقه وربما أعقد نتيجة جملة من العوامل والمؤثرات التي قد تدفع الانسان العادي الى ان يترحم على ما فات وان كان سيئاً بكل المقاييس الانسانية أو الاجتماعية او الدينية ، ولكنه حينما يقارن الامس باليوم فيما تضمنه اليوم من سلبيات وتعقيدات قد تصل الى مستوى زيف المبادئ وكذب الشعارات المرفوعة ، يجد في نفسه ان حركة حياته بكل اشكالاتها السابقة هي افضل حالاً من الحالية بكل تعقيداتا .     فهو ينظر تارة الى التدين العام فيقرأ فيه سطحية واضحة واندفاعاً ضعيفاً الا ما يتعلق ببعض الممارسات الشعائرية التي يعزز قناعته فيها الجو العام فيرى نفسه منقاداً لهذه الممارسة التي يمارسها الآلاف بل الملايين ، وحين تتعارض الممارسة مع جملة من الالتزامات الدينية تظهر سطحية تدينه واضحة خذ لذلك مثلاً ان الممارسة الشعائرية مستحبة أكيداً في نفسها ولكنها مطلوبة لغيرها لا لنفسها فهي مطلوبة لتأكيد أهمية الاسلام وتثبيت أركانه واعلاء شأنه و ….. واداء الواجب الوظيفي في المستشفى خاصة او المؤسسة التربوية مطلوب بشكل آكد واوجب ويتقدم على آداء الشعيرة ذلك لانها ما وجدت الا لتأكيد الدين وتعزيز أهميته في نفوس الناس ، أي ان الشعيرة مطلوبة لاداء هذا الواجب لا انه متروك لادائها ، كما تلاحظ ، وكذا بالنسبة الى رجال الامن من الشرطة والجيش فان بقاءهم في اداء وظيفتهم في ظرف الشعيرة أهم وأوجب ، وهم ملزمون بالحفاظ والحرص على حياة الناس والمجتمع في مثل هذه المناسبات كي لا تستغل من قبل اعداء الاسلام والوطن لتعيث في الارض فساداً .  وهو ينظر اخرى الى ما نقده ورفضه من ممارسة سابقة من الاستبداد والدكتاتورية والاستفراد بدائرة القرار وتوظيف المقدرات العامة للمصالح الخاصة الفئوية او العائلية ، فيجدها كلها متكرسة ومتجذرة بشكل اعمق مما كانت سابقاً .     فاذا نظرت الى الدكتاتورية – كانت دكتاتورية الفرد والان هي دكتاتورية الافراد والكيانات ، مما ضيّق عمل الفرد واربك حركة المواطن لانه كان بامكانه ان يتجنب ما يغيض الدكتاتور الفرد ويسلم في طريقه وفي قوله وحركته ، والان ليس بامكانه ذلك ، لأن تعدد الدكتاتوريات واختلاف مستوياتها ودرجاتها عقد عليه المطلب فان تجنب بعضها وقع في مصادمة البعض الآخر لا محالة ، فيلجئه ذلك اما الى السكوت او السكون او الانخراط لا عن قناعة ضمن اطار احد هذه الدكتاتوريات وهي لا تنحصر في مجال معين بل تشمل كل المجالات بما فيها المجال الديني ، والسياسي والاجتماعي ، والثقافي ، والوظيفي و ….. فما كان عائقاً واحداً أصبح متعدداً قد سد معظم المنافذ امام حركة الانسان وقيّد اداءه .  ومنه تنعكس على حريته فاذا كان مساحتها أوسع لآن معارضها واحد اصبحت مساحتها أضيق لان معترضيها عديدون .  واذا نظرت الى حرية الرأي ، فلا وجود لها بالمرة في وقت العراق الجديد ، ووسائل الاعلام التي تعكس هذه الحرية من فضائيات ووكالات انباء وصحف ومجلات و….. كلها مقيدة بخطوط موضوعة لها ، سواء من اصحابها أو من المسؤولين القائمين عليها او من قبل جهات الاحتلال او الجهات الرسمية او الجهات الدينية ، والكل بدعوى ان هذا يعارض سياسة المحطة او المجلة ، ولا يدري المواطن المسكين اية سياسة هذه ؟!   هل هي سياسة السير مع الركب الاحتلالي او سياسة التوافق والتأييد للعملية السياسية او سياسة الانفاس الطائفية او سياسة التقييد برؤية هذه الوسيلة او ….. ؟     واذا ختمت مسيرة الحيرة بالتوظيف طلباً للعيش الشريف أتت كتب القوم بأن تكون منهم او معهم ولا ثالث الا تكون من عدوهم وهو ما كنا نسمعه من النظام المقبور في أوائل حكمه عندما قيد التوظيف بدوائر الدولة بالانتماء لحزبه المقبور والا فلا كيل لكم عندي .  وها هي الآن أصعب من جهة ان الانتماء لجهة غير الجهة المسيطرة على الدائرة معناه المنع المطلق الذي لا نقاش فيه ومن جهة عدم الانتماء لجهة فانت ضدهم لا معهم وان هذه الوظائف حصة الكيان الفلاني او الحزب الكذائي ، وانت ليس منا لتشاركنا وظائفنا ، فيرجع المسكين يخفي حنين قد ندب حظه العاثر الذي املّه ان الخير آت لا محال ولكنه خير الحسرة والعثرة التي تطيح بالأفراد بلا رحمة بعد ان كانت تطيح بالحرية زماناً وقد يشفع له الظرف فيخرج معافاً او يقبع مدة ثم تأتي مرحمة لا وجود لها الآن .    وقد قيل في ادبيات العاملين بان النظام السابق قد اختزل العراق وقدراته وامكانياته في شخصه ووظف الجميع لبناء مجده الشخصي وآثر عائلته على شعبه ، فاذا ما انتقل الى جهنم وبئس للظالمين بدلاً .     فينبغي ان تعود تركته للشعب والى الامة سواء المادية منها او المعنوية فما اختزله من حريات الشعب يرجع الى الشعب وما اختزله من ارادات الامة يعود اليها وما انتهبه من اموالها تغطى به حاجاتها وما كممه من افواهها تفتح باراداتها لا بارادة اخرى كي لا تكرر دورة الحياة السابقة بثوب جديد ، والا سيكون حالنا على حد التصوير القرآني ((يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ )) النور : 39 .