وثيقة مكة

   الخطوة التي جاءت من قبل منظمة العمل الإسلامي لرعاية مؤتمر مكة و الإعلان عن بيان تحريم وتجريم أعمال العنف الطائفي التي تجري في العراق والأطراف المسؤولة عاجزة بالتمام عن إيقاف هذا النزيف أو إتخاذ الخطوات اللازمة والسريعة في إيقاف هذا التداعي  الأمني الخطير الذي قد يعصف بوحدة العراق وإستقلاله وسيادته .

    موفقَةً إذا ما أريد لها أن تُفعل بشكل جدي وإيجابي لا يحصل إلا بإدارة قوية من قبل كل اطراف أصحاب القرار الرئيسي في هذه الوثيقة ومصداقية عالية في ترجمتها على أرض الواقع والتخلي عن المزايدات الإعلامية ، والتصريحات غير المبنية على عمل جدي وفعل إداري يستهدف بالأساس وقف الإقتتال الطائفي ومحاولة إرجاع اللحمة العراقية إلى سابق عهدها .

    وإذا ما أُريد لهذه الوثيقة التي نأمل داعين المولى المقدس أن تأتي أُكلها وتخلق جواً من الصفاء النفسي والظرف الموضوعي لإعادة بناء الثقة بين العراقيين جميعاً ، إبتداءً من الساسة الممثلين للمكونات العراقية وإنتهاءً بعامة الناس.

    لا بد من توفير جملة من المستلزمات الواقعية لإنجاحها وإلا ستبقى كسابقاتها من المبادرات أو الخطط الأمنية وآخرها المصالحة الوطنية التي أطلقتها حكومة المالكي .

    المستلزم الأول:- الشروع بعملية إعلامية توعوية لأهمية البنود التي تضمنتها الوثيقة وبيان آثارها ونتائجها القيمة على حياة المجتمع العراقي وإستقراره  و آمنه بل وسيادته وأن تتكفل الجهات التي وقعت على الوثيقة والتي تمتلك وسائل إعلامية مؤثرة كالقنوات الفضائية ومحطات التلفزة والراديو والصحف البدء بمشروع توعوي لتفعيل هذه المبادرة وللتأثير على الناس من أجل شدهم إلى تبني هذه الوثيقة لإمتثال بنودها خصوصاً إذا دُعمت بفتوى المراجع الدينية الكبيرة التي تمتلك مساحات واسعة من الموالين المرتبطين بها ، وتُمهر بأختام العلماء الأعلام من الفريقين وتُوزع على أعداد كبيرة من المواطنين من مختلف أطياف الشعب العراقي ، وأن تتخلى هذه الوسائل الإعلامية عن وسائل الإستفزاز والتخوين أو ترامي التهم وتبادل التصريحات المفرقة وأن تدين بشكل واضح وجلي مثل هذه الأعمال وتراقب خطب أئمة المساجد في الجمعة خوف أن ينحرف فيها الخطيب عن دائرة الإلتزام بما في الوثيقة لأن في الموجود السابق من خطب آئمة الجمعة من الفريقين الكثير من هذا القبيل الذي اثر بشكل أو بآخر في تأزيم الوضع وبعثرة الإمور.

    المستلزم الثاني:- توسيع دائرة الموقعين على هذه الوثيقة لتشمل كل الأطراف العراقية الدينية التي لها وسط إجتماعي كبير نسبياً ليُشكل توقيعها إلتزاماً لكل الناس المرتبطين بها ويكون إلزاماً أخلاقياً رسمياً عرفياً شرعياً ومثل هذا الإلزام لا يقدم الفرد على الخروج عنه لانه يمثل الخروج عن ثوابت إجتماعية وشرعية توصم الشخص بالفاسق أو بالخارج عن دائرة الإجماع الإسلامي ومثل هذه النتيجة تشكل رادعاً قوياً لكل من تسول له نفسه الخروج عن إطار الوثيقة الموقعة .

    ومن دون توسيع دائرة المشاركة فإنها تبقى عاجزة عن قوة التأثير في الشارع العراقي .

    كما وينبغي الإبتعاد عن لغة التغييب والتهميش التي تتبعها بعض الجهات الرسمية والدينية للشخصيات الوطنية العراقية التي يشهد تاريخها بإخلاصها ووطنيتها وإخلاصها لقضيتها وإلا سنعود إلى الوراء الذي ينبغي تركه وراء الظهور .

    والوثيقة لم تمثل إلا الجهة الرسمية من خلال الموقفين الشيعي والسني كما هو واضح للمطلع ، ومثل هذا الإجراء يؤثر سلباً على مساحة تأثير الوثيقة والتعجيل بالنتائج المرجوة منها كما تشهد التجارب الماضية في العديد من قضايا الساعة ، فإن الناس المغيبين سيتحركون وبحي إحساسهم بغبن حقهم والإستخفاف بموقعهم بإتجاه مضاد أو مُعيق لهذه الوثيقة وكان على منظمة المؤتمر الإسلامي أن تتعامل مع الواقع بعيداً عن مؤسساته الرسمية وهي لا تمثل كل المجتمع العراقي بكل تأكيد.

    المستلزم الثالث:- أن تشكل الجهة الرسمية لجنة متابعة لتطبيق بنود هذه الوثيقة بالتعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي ومراقبة مساعي الأطراف في تفعيل هذه الوثيقة ونقدها ومحاسبة من يتخلى عنها أو لا يلزم نفسه بضرورة الإنقياد لبنودها لإعتبارات معينة قد تكون سياسية أو عقائدية أو غيرها ، وتعريض هذه الجهة إلى الإحراج الإعلامي والشعبي وممارسة الضغط عليها لترجع ملتزمة أو منضبطة ببنود الوثيقة ،على أن تضم هذه اللجنة من الفرقاء الموقعين على الوثيقة يعملون بشكل إنضمامي لبعضهم وأن تُتخذ القرارات بالإجماع وبعد المعايشة الميدانية المستمرة لتكون على بينة واضحة لا تقبل الطعن من قبل من يُدان أو ينتقد .

    المستلزم الرابع :-أن تلتزم الأطراف بأهم خطوة في هذه الوثيقة عودة العوائل المهجرة وتوفير كل مستلزمات الأمن والأمان لها وتطمينها بإلتزام الأطراف قانونياً وشرعياً على حياتها وممتلكاتها فيلتزم أطراف المذهب الفلاني أمام الشرع والقانون فيوفر عودة مضمونة ومطمئنة لعوائل الطرف الآخر ، والعكس كذلك بحيث إذا حصل أي خرق لأحد أفراد عائلة عائدة أو أفراد عوائل يكون المسؤول قانونياً وشرعياً هو الطرف الملزم بهذه الإجراءات وتعرض وسائل الإعلام هذه الإدانة بشكل شفاف وصادق من دون زيادة أو تنقيص لتعبئة الرأي العام ضد من يخالف هذا الإتفاق أو يتجاوز عليه أو يرى نفسه في حل من إلتزاماته فتُكشف الحقيقة للرأي العام ويُعرف المخلص من غيره .

    والإلتزام بهذه المستلزمات ليس صعباً أو عسيراً إذا ما وجدت إرادة قوية وصادقة في إيقاف هذا النزيف للدم العراقي وإبتعد أصحاب السيادة عن مدافعاتهم السياسية وأوهامهم القيادية في قيادة سفينة العراق إلى بر الآمان وأرض الإستقلال والله من وراء القصد.

     29/ رمضان/1427