You are currently viewing ولاية الفقيه (الحلقة الثانية)

ولاية الفقيه (الحلقة الثانية)

 

ولاية الفقيه (الحلقة الثانية)

ولم يكن مفهوم الولاية آنذاك بدرجة من الوضوح والبيان وإنما كان يكتنفه بعض الغموض الذي جعله يواجه جملة من الاعتراضات والاستفسارات والتحديات، يوم كانت الذهنية العامة فارغة من أي مدلول أو معرفة عن المبدأ – أي الولاية العامة للفقيه – فقد أُدعيِِ أن إنجازه مشروط بالعصمة وأنه مختص بالمعصوم ( )، وأنه مشروط ببسط اليد أي القدرة على -التنفيذ والإنجاز –ولم يكن الفقيه كذلك، أو إن أصل المفهوم غير ثابت للفقيه لان جملة من الفقهاء المشهورين لا يقولون بالولاية العامة للفقيه، مما ألقى أجواءً من التعتيم والطعن عليه – كبوريا – على أصله –أو صغروياً أي  على من يدعي الولاية –كالسيد الشهيد الأُستاذ (قدس سره الشريف).

وكانت لأجواء التقية بالغ الأثر في هذه الاعتراضات، و ما يؤديه القول بالولاية العامة من إرباك الواقع الحوزوي والاجتماعي وربما إرباك واقع بعض الدول المجاورة التي تبنت مبدأ ولاية الفقيه كنظرية للحكم فيها. كما هو معروف لديكم والآن و قد زالت التقية وأخذ المفهوم ُيفعل بشكل واضح في الحياة الشيعية وطريقة ممارسة الفقيه لمهامه الاجتماعية واستعمال نفوذه وممثلتيه لقيادة الأمة في زمن الغيبة الكبرى التي نعيشها الآن ولم تكن الساحة خالية من الفقهاء ممن يقولون بها أو ممن لا يقولون بها مما يحدث جواً من الإرباك في رجوع العامة والمقلدين بين الالتزام بأحكام الولاية، وبين الالتزام بفتاوى مقلده كما هو المشاهد الآن.

ومن هذا المنظار كانت الحاجة إلى فتح الحديث عن ولاية الفقيه تمثل ضرورة حياتية وحاجة فقهية ثقافية، ورفد الوعي العام للأمة بالمفاهيم الإسلامية التي لم تأخذ حقها من البحث الفقهي والاستدلال عليها وتركيزها في الأذهان العامة والإشارة إليها والإرشاد عليها لتأخذ طريقها في النفوس تحفيزاً عليها ومحاولة الاقتناع بها وتطبيقها من قبل الفقهاء ولو بشكل جزئي إن لم يمكن تطبيقها بشكل كلي وتام كي يمكن دفع كثير من المظالم والمفاسد والتي لا يمكن دفعها إلا بأعمال الولاية حينما لا تكون الفتوى ممكنة في موردها أو لم تكن بمستوى إلزام الأمة بمضمونها إلا للمقلدين وليسوا كلهم على درجة من الضبط والانقياد للفتوى خصوصاً إذا تضمنت بعض التعب والجهد والتضحية بشيء قليل من الوقت أو المال، وأوضح مثال هو صلاة الجمعة حيث فتوى المشهور على الوجوب ألتخييري بينها وبين الظهر، فهل ألتزم به المقلدون أو أنهم التزموا على طول الخط بفردية صلاة الظهر في يوم الجمعة ولم يعطوا لفردية صلاة الجمعة حقها من الأمتثال حيث إرتكز في النفوس و اعتادت عليه بأن الظهر من يوم الجمعة هو الواجب لا غير ، وإما لو كان إمتثال الجمعة بالولاية أو بالحكم ألولائي بغض النظر عن الفتوى كان الالتزام بها متعيناً وناجزاً وهذا ما لا حظناه أيام إقامتها حينما أرسى قواعدها الشهيد السعيد محمد الصدر(قدس سره).

  

 ومن حقنا أن نتساءل عن سبب انحسار البحث الفقهي عن الولاية العامة للفقيه حيث لم يتعرض له إلا قلة من الفقهاء على طول الخط الشيعي الممتد منذ زمن الغيبة الكبرى وإلى الآن، والأسباب هي:-

v   الشعور بعدم الحاجة إلى البحث فيها لعدم إمكان التطبيق لها في الحياة العملية خصوصاً وأن المعصومين ( ) قد أُبعدوا عن الممارسة السياسية وهُمش دورهم في الحياة الاجتماعية ومن تسلم منصب الخلافة قد منع من تولية العلويين مناصب في الدولة أو إعطائهم أية مسؤولية حقيقة في الحكم، مع فرض الرقابة المشددة على الشيعة والأئمة  ومطاردتهم والبطش بهم لا لشيءِ إلا لأنهم كانوا يمثلون خط أهل البيت ( ) في المنهج والسلوك والعقيدة، فكان من الطبيعي أن ينكفئ العمل السياسي ويتضاءل تدريجياً،إلى أن وصل إلى حد النكوص في عهد الغيبة الكبرى مما أنعكس بشكل سلبي على مسألة تعاطي الولاية نظرياُ مع القضايا السياسية الأخرى فضلاً على العمل على تسلم مقاليد الأمور، فهذا أمر لم يخطر ببال أحد([1])

 

ومنها   ،،  تأثير الغيبة الكبرى على النفسية العامة للشيعة رغم أن الغيبة الصغرى قد خففت من وطأتها وقد كانت انعكاسات هذا التأثير قد تبلورت بمفاهيم عدة منها، تصور عدم إمكانية الانتصار بدون المعصوم ( ) ثم بُرر من الناحية الفكرية والعقائدية، فأصبحت التقية مبدأ سياسياً ومنهجاً للسكوت لا يزاغ عنه و صارت كل ثورة وتعامل مع السياسة قبل الظهور في زمن الغيبة الكبرى – يُعد عملاً غير صحيح وربما غير مشروع وانحرافي ومحكوم عليه بالفشل مقدماً، يدعمه ما ورد ((كل راية قبل ظهور الإمام راية ضلال.)) بالمضمون وكانت السلطة آنذاك تشجع وتغذي هذا الاتجاه لأغراض واضحة ومفضوحة تتمثل في إقصاء الشيعة عن ساحة الفعل التاريخي والحدث السياسي والاجتماعي. والتي كان من مصلحتها ظهور مثل هذا الآراء والتوجهات في حركة التشيع لإبعاده نهائياً من الحياة حتى تكرس الخوف من السلاطين وأنتج نمطاً من الحياة الشيعية جعلها في نهاية المطاف مستسلمة لأقدار السلاطين ومقتضيات القدر ([2]).

 

  • ومنها :الممارسات السلطوية في التخريب والتزييف المتعمد للفكر الإسلامي وقد سخرت وجندت له العديد من فقهاء السلاطين ومن الشعراء المتزلفين والمبتدعين وكانت تسير جنباً إلى جنب مع سياسة البطش والقمع لكل معارض مهما كانت معارضته ضئيلة.وقد أنتجت هذه السياسة تراثاً ضخماً من الفقه المسمى (بالسلطاني) قد أمتد إلى وقتنا الحاضر حتى تمثل بهيئة نظريات ومناهج عمل تبرر السلطة وسلوكها وتحرم الخروج عليها، ويرافقها سحب الشرعية عن كل معارضة باعتبارها خروجاً عن صف المسلمين ووحدتهم وخالية عن الشرعية والمبرر القانوني وتوصف بالبغي وأُخرى بالارتداد والانحراف.

 

 ونتائج هذه الأسباب بروز مدرسة فقهية- كلامية – خارج الإطار الشيعي، متحالفة مع أنظمة الحكم الظالمة أخذت على مسؤوليتها أكبر عملية تخريب فكري (فقهي كلامي) في تاريخ المسلمين، وقد زاد في زخم تأثيراتها و انتشارها خلو الساحة من المعادل المعارض – الشيعي على صعيد المسألة الفقهية من الأصعدة السياسية والاجتماعية مما أثر على المدرسة الشيعية في تعاملها مع المسألة السياسية وإفقارها من هذا الجانب إلى حد الإفلاس.

  إلا أن ثلة من الفقهاء قد تعرضوا لمسألة الولاية عبر بحوثهم الفقهية في مبحث الولاية من المعاملات كان أول من وسع من أبحاثها المحقق الراقي المعاصر للشيخ الأنصاري (قده) الذي تعرض لها هو الآخر ضمن مبحث الولاية وبشكل مختصر حتى آن الأوان لفتح بابها المغلق وإثارة مسألتها على أوسع نطاق فكان مبدعها السيد الخميني(قده) وفارس أبحاثها السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده) وبطل ميدانها السيد الشهيد الصدر(قده). والآن حالها متروك للأيام تعطي فيها قولها وقيمتها من خلال متابعة عملها من الناحيتين الدينية والسياسية والاجتماعية. حيث تتمثل الأولى ببعض الحكام والتشريعات المسماة بالولائية أوضحها تطبيقاً إقامة صلاة الجمعة، وإن كان إقامتها بالفتوى أمراً ممكناً وتتمثل الأخرى بمحاولة إقامة حكومة إسلامية وفق نظرية ولاية الفقيه كما هو معمول به في إيران.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 مقدمة المرجعية والقيادة………………..ص21

السيد الحائري (دام ظله)